افتتاحية الأسبوع بقلم جمال السباعي
في ظل التحولات الرقمية المتسارعة وزحمة الآراء المؤثرة وسهولة وصولها، يصبح من الضروري تحليل الخطابات والأعمال الفنية التي تؤثر في الرأي العام، لتوضيح الصورة التي أصبحت ضبابية عند الشريحة الأوسع من المجتمع، والتي صار يصنعها من يملكون الوصول الأكبر لهذه الفئة، فئة المتلقي البسيط.
قد يوحي لك عنوان المقال أننا نمثل جانب النظام المسيطر في مواجهة الأسماء التي تمثل المستضعفين من الشعب، وهذا انطباع أولي طبيعي، فالمشهد اليوم أصبح سميائيا مبني على الرموز، لسنا كذلك، نحن فئة أخرى من المجتمع، نقف على مسافة واحدة من الجميع، لسنا مع هاؤلاء ولا مع أولائك، نحن فئة ترفض الفكر المبني على النشوة اللحظية، الفكر الشعبوي الذي يغازل العواطف ويضرب قواعد العيش السليم، والذي يمثله اليوم المهداوي في الإعلام والناصيري في الفن وبنكيران في السياسة. موقفنا ينبع من رفضنا للنهج الذي يختزل المشاكل المعقدة في مقاربات سطحية، ويُجنّد العاطفة لتبرير الأخطاء أو تجاوز القوانين التي تنظّم المجتمع، الفكر الذي يستغل المآسي الجماعية للترويج لخطابات أو أعمال فنية لا ترتقى إلى مستوى التحديات الحقيقية.
ضد المهداوي: الإعلام الشعبوي وتغذية الفوضى
المهداوي ليس صوتًا للحق بقدر ما هو مرآة للتجاوزات العاطفية التي تهدف إلى تحريف النقاشات المجتمعية عن مسارها الصحيح. محاولته ترسيخ الأخطاء من خلال العاطفة تتجاهل تمامًا الإطار القانوني الذي يُعتبر حجر الأساس لتنظيم أي مجتمع. في غياب احترام القوانين، يُفتح الباب للفوضى، حيث تصبح كل قراءة ذاتية مبررًا لخرق الضوابط. من هنا يأتي رفضنا لخطابه، الذي يعيد إنتاج سيناريوهات شعبوية معادية للنظم القانونية ويفرض قانون العاطفة.
ضد فيلم “نايضة”: حين يغيب البعد الفني عن النقد الاجتماعي
لسنا ضد فيلم “نايضة” لمجرد أنه ينتقد الفساد أو يعالج قضايا اجتماعية حساسة مثل الصحة والتعليم؛ بل لأن الفيلم يفتقر إلى العمق الفني والجمالي الذي يُميز الأعمال السينمائية الهادفة. تركيز الفيلم على ملامسة العاطفة الجماعية من خلال مشاهد البؤس الواقعية أدى إلى تهميش الجوانب الفنية والإبداعية مثل تصميم الديكور، الهندسة البصرية، بناء الشخصيات، وتطوير الحبكة.
تقديم الفيلم في قالب شعبوي جاف يجعل منه أداة لنقل المعاناة لا أكثر، دون بذل مجهود جمالي يرتقي بمستوى المشاهد أو يمنحه مساحة للتأمل. الاعتماد على التقريرية المفرطة في تجسيد واقع الأحياء الشعبية والمستشفيات العمومية لم يقدم إضافة جديدة، بل أعاد تكرار المآسي بصيغة سطحية خالية من العمق الفني والجمالي.
ضد الشعبوية في السياسة: بين بنكيران وخطاباته المبسطة
رفضنا لسياسة بنكيران وحزبه الشعبوي لا يأتي لأنه معارض للنظام ظاهريا، بل لأن خطابه قائم على تجييش العاطفة الدينية، وهو خطاب يخفي وراءه نقاشا تبسيطيًا وخطيرًا. الشعبوية تتغذى على مشاعر التهميش والغضب، وتقدم حلولًا سهلة ومضللة لمشاكل معقدة، مما يجعلها خطرًا حقيقيًا على استقرار المجتمعات.
الشعبوية التي يمارسها بنكيران تعتمد على مخاطبة العاطفة الجماهيرية واستغلال الأزمات، لكنها تتجاهل البناء المؤسسي الذي يحتاجه أي مجتمع للنهوض. هذه الشعبوية قد تبدو مغرية، لكنها في الواقع تُعيد إنتاج الإشكاليات وتُفاقمها، وهو ما شهدناه في تجارب دول عديدة مجاورة.
بين العقل والعاطفة
نحن لا نقف في صف السلطات ولا في صف التيارات الشعبوية التي تختزل القضايا في معادلات عاطفية بسيطة. الحلول الحقيقية تأتي من بناء خطاب واعٍ، يعتمد على تحليل معمق وإبداع فكري وفني يرتقي بالمجتمع، بدل الانجراف وراء العواطف اللحظية. نحن بحاجة إلى نقاشات أكثر مسؤولية إعلاميا وسياسيا وأعمال فنية تسعى للارتقاء بالوعي الجمعي، بعيدًا عن التقريرية والشعبوية المدمرة.