مصطفى البوزيدي: أستاذ سابق والكاتب الاقليمي لحزب الحركة الشعبية بالعرائش
بداية سأتحدث كأستاذ سابق وأبوح لكم بكل صدق أن أشد ما يدفع الأساتذة في هذه اللحظات للشعور بالغضب والحسرة ليس فقط موقفهم الرافض للنظام الاساسي الجديد ولكن ايضا شعورهم الجماعي انهم لم يُحسنوا تربية وزير العدل الحالي المدعو عبد اللطيف وهبي الذي خرج يُرغد ويُزبد مهددا رجال ونساء التعليم بقصم ظهورهم وبقلب الطاولة على نقاباتهم وبتأليب البسطاء عليهم وبسحب جزء من الميزانية المخصصة للتعليم من قانون المالية للسنة القادمة. هي خيبة لا تعادلها اية خيبة أخرى، لأنه بالنسبة للأستاذ المربي كل شيء يمكن ان ينصلح إلا الكلام البذيء الجارح والمواقف الجاحدة في حق أجيال من المربين والمدرسين.
من حق وهبي أن يصرح في إطار التضامن الحكومي والدفاع عن حصيلة الحكومة التي ينتمي إليها بما يليق من الكلام الذي يتناسب مع منصبه كأمين عام حزب وكعضو في الحكومة، لكن الرجل عودنا منذ أن ترأس حزب الجرار حتى داخل قبة البرلمان على خرجات إعلامية وتصريحات سياسية تفتقد الى الذوق السليم وتتعارض مع أخلاق وصفات رجل دولة. والواقع ان الرجل معذور فقد سبق له ان قال عن نفسه انه لا يصلح أن يكون وزيرا ليس فقط بسبب ذاتيته المتضخمة بل أيضا لأنه لا يستطيع التمييز بين وهبي الجالس في المقاهي الشعبية وبين وهبي النقيب والوزير وأمين عام حزب. لا تكاد تحصى زلات الرجل، في المقابل تنكشف انتهازيته المرضية عند أول اختبار. فمنذ أن صرح بكل عجرفة وتنطع انه يرفض أن يكون مرؤوسا من طرف أخنوش رئيس الحكومة الحالي والرجل لم يتوقف عن الهذيان حتى أصبح اسمه مقرونا ببذاءة اللسان والتطاول والوقاحة المفرطة. فمرة يدعي انه يعرف لون “تقاشر” المغاربة في إشارة خطيرة لسنوات الرصاص التي كان فيها المغاربة يعيشون تحت رحمة المخابرات والبوليس السري، ومرة يتباهى تحت قبة البرلمان بمشاعر مبطنة بالدونية أنه شلح وزوجته فاسية، ومرة وهو يتحدث عن فحص الحمض النووي، يتهم المغاربة بدون تمييز بالزنا وبكثرة الأبناء غير الشرعيين، ومرة أخرى يصرح بلغة برجوازية متعفنة أن ابنه درس بكندا وحاصل على شهادتين لأن والده ثري.
ولم تتوقف هذه المهازل عند هذا الحد، فقد تطاول الرجل حتى على اختصاصات مجال محفوظ للملك ألا وهو السياسة الخارجية عندما تحدث نيابة عن وزير الخارجية في موضوع الزلزال مرحبا على قناة عربية بالمساعدات الجزائرية في عز الأزمة مع نظام الكابرانات ضاربا عرض الحائط كرامة المغرب وأنفته. بل الأدهى من ذلك، نصب الرجل بمناسبة الاحتجاجات الأخيرة للأساتذة نفسه حاميا للدولة المغربية ومتحدثا باسمها ومهددا بقلب الطاولة على النقابات وبتكسير عظام من يحاول لي ذراع الدولة وتركيعهم في إشارة إلى رجال ونساء التعليم. وقد أظهر الرجل من خلال هذا التصريح الخطير جهلا عميقا بمقتضيات الدستور حيث خلط بين الحكومة الزائلة التي هو عضو فيها وبين الدولة التي جعل الدستور الملك على رأسها ومنح السيادة للأمة أي للأساتذة وباقي المواطنين وليس للحكومة وأعضائها.
ومن حقي كباقي المغاربة أن أتساءل عن سر هذ التبجح الذي يميز هذا الرجل وكذلك عن سر صبر الدولة المغربية على خرجاته غير المحسوبة علما أن شباط ومزوار تعرضا للجلد والمساءلة وحتى الاعفاء بتهم هي أقل بكثير مما يصدر على لسان وهبي لاسيما في أمور السياسة الخارجية. فهل يشفع للرجل كونه يرأس حزبا يشار إليه بالحزب الإداري الذي أنشأ للقيام بدور ما في الحياة السياسية المغربية، أما أن ساعة الحساب لم تحن بعد؟
وبعيدا عن البؤس السياسي الذي يعد وهبي أبرز ملامحه في المرحلة الحالية، ما الذي يجعل الأساتذة يحتجون على النظام الأساسي الجديد؟ هناك مقولة مغربية تقول ” قالو باك طاح، قالو من الخيمة خرج مايل”، يعني أن النظام الأساسي الحالي افتقد لشروط النجاح منذ مراحل اعداده الأولى عندما قررت الوزارة في تواطؤ مع النقابات المحاورة تغييب رجال ونساء التعليم والعمل في سرية تامة. والصحيح أن وزارة التعليم في شخص الوزير بنموسى ومن سبقه كان يتعين عليه أن يجعل من ورش إصلاح النظام الأساسي لموظفي التربية والتكوين ورشا مفتوحا امام كافة الأساتذة وموظفي وزارة التربية الوطنية بكافة شرائحهم وأيضا بمعية كل القوى الحية بالبلد. ولذلك، منذ البداية تم تفسير هذه المنهجية العقيمة برغبة الوزارة في تمرير نظام تراجعي يضرب المكتسبات ويجهز على الحقوق. وهو ما حصل فعلا وتفطن إليه رجال ونساء التعليم الذين هبوا عن بكرة أبيهم رافضين “نظام المآسي” بعدما كانت النقابات المتحاورة قاب قوسين على قبوله والتوقيع عليه لولا أن الوزير بنموسي تجاهل التعديلات النهائية المقترحة من طرف النقابات وتسرع بإيداع النظام الأساسي للمصادقة في المجلس الحكومي.
ولا احتاج هنا كرجل تعليم أن أعيد ما قيل عن هفوات النظام الأساسي الحالي لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون ولا عن تراجعاته الخطيرة. كما لا أحتاج كمتتبع للشأن العام أن أذكر بمعاناة رجال ونساء التعليم، ويكفي لاي مهتم بالموضوع أن يضطلع على التقارير الأخيرة للمجلس الأعلى للتعليم ليلمس بشكل واضح حجم الاختلالات التي تعرفها المنظومة وحجم المعاناة التي يقاسيها المدرس بسبب هذه الاختلالات على مستوى البنية التحتية والاكتظاظ ووسائل العمل والظروف القاسية التي يشتغل فيها رجال ونساء التعليم. وإضافة الى تقارير المجلس الأعلى، تشير المجالس الجهوية كذلك لهذه الاختلالات البنيوية التي تجعل من مهمة التعليم مهمة شاقة للغاية في ظل غياب ابسط شروط العيش الكريم مع أجور زهيدة وتحفيزات شبه منعدمة.
والان سأتحدث كسياسي وفاعل حزبي، لأوضح أن أحزاب الحكومة الحالية قد تلاعبت بموضوع التعليم بشكل فظيع ووظفته في حملاتها الانتخابية الأخيرة بشكل انتهازي ولم تحترم سواء ما جاء به النموذج التنموي من توصيات مهمة لتطوير التعليم وتحسين مستوى عيش الأساتذة، كما لم توف بالتعهدات التي وردت في تصريحها الحكومي بالزيادة في أجور الأساتذة وبجعل مهنة التدريس مهنة جذابة. وبالرغم من أن السيد رئيس الحكومة تحدث خلال اجتماع الأغلبية الحكومية بلباقة عن التعليم وبأدب عن المدرسين والمربين وكذلك الوزير لقجع عكس الوزير الثرثار المتعجرف المذكور، غير أن رئيس الحكومة للأسف نكث وعوده الانتخابية وتنكر بشكل فج لناخبيه وحاول إلصاق تهمة رفض الزيادة في أجور الأساتذة التي وعد بها خلال الحملة الانتخابية بالقيادات النقابية التي تحاوره. وللأمانة وللتاريخ، وبصفتي واحدا ممن قاموا بالحملة الانتخابية خلال الانتخابات التشريعية السابقة، فقد فشلت في إقناع أفراد من عائلتي وأصدقاء مقربين ومواطنين عاديين للتصويت على برنامج حزبي فقط لأنهم قرروا التصويت على حزب الحمامة في شخص أخنوش وعلى حزب الاستقلال في شخص بركة لأن الأول قدم وعدا بزيادة 2500 درهما في أجر الأستاذ وجعل المرتب الاولي للأستاذ محددا في 7500 درهما، أما الثاني فوعد بإنهاء مشكلة الأساتذة المتعاقدين والحاقهم بالوظيفة العمومية مثلهم مثل باقي الأساتذة. لذلك لا استغرب هذه الانتفاضة الاستاذية بسبب الخيبة والإحباط الذي خلفه تراجع الحكومة الحالية عن وعودها الانتخابية، وهو احباط ثان يأتي بعد سنوات عجاف مليئة بالقرارات التراجعية والكذب السياسي مع الحكومتين المتواليتين للحزب الملتحي الذي توج ولايتيه بحصول أمينه الحالي على تقاعد سمين ضدا على مبدأه الشهير “الأجر مقابل العمل”.
ويبدو ان رئيس الحكومة الحالي يسير على نفس منهج الدجل السياسي لحليفه السابق بالانقلاب على الوعود دون حياء أو وخز ضمير، وهو ما يؤصل لفعل سياسي انتهازي لا يقيم وزنا للمبادئ وللالتزامات مع الناخبين، ويجعل المشاركة السياسية للمواطنين غير ذي معنى في غياب المروءة السياسية والالتزام بالبرنامج الانتخابي.
وختاما، أوجه نصيحة للسيد وهبي بالكف عن تجريح الناس وتوظيف موقعه في الحكومة للتحدث باسم الدولة التي هي أكبر منه ومن حزبه حتى لا يسقط في المحظور ويكون سببا في تهديد الأمن العام والسلم الاجتماعي، وقد أعذر من أنذر وآخرهم الأساتذة. كما أنصح السيد أخنوش بالتعامل مع رجال ونساء التعليم بالجدية والشفافية المطلوبتين بعيدا عن الخطابات والتصريحات المتشنجة لبعض وزراء حكومته، لاسيما وأن التاريخ المعاصر علمنا ان الأزمات السياسية الكبرى التي عرفها المغرب كان سببها الاستهتار بمعاناة رجال ونساء التعليم والتعنت في الاستجابة الى مطالبهم المشروعة، وهو ما لا نريده ان يتكرر بأي حال من الأحوال، وكما تم إرضاء موظفين لقطاعات عديدة أخرى، يتعين على رئيس الحكومة الإسراع بإنهاء الاحتقان وعودة الأساتذة والتلاميذ الى اقسامهم، لينتصر الوطن حتى تستمر قافلة التنمية والبناء في مغرب آمن ومتضامن تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين.
صبرت عليه الدولة لان بواسطته سيتم تمرير بعض الملفات هداك راه دمدومة