العرائش… مدينة على الهامش تبحث عن بوصلة تنموية

العرائش… مدينة على الهامش تبحث عن بوصلة تنموية

بقلم جمال السباعي

رغم ما تزخر به من تاريخ ضارب في القدم، وموقع جغرافي فريد بين المحيط والأطلس والريف، تظل مدينة العرائش حبيسة زمن تنموي متعثر، تُثقل كاهلها أوجه قصور مزمنة في التسيير المحلي، وتُجهض أحلام ساكنتها في غد أفضل.

لقد أصبحت العرائش، وللأسف، نموذجًا حيًّا لما يمكن أن تفرزه السياسات الارتجالية من هدر للفرص. فمنذ سنوات، تعيش المدينة على وقع مجالس جماعية متعاقبة لم تستطع بلورة رؤية شمولية للتنمية، بل ظلت أسيرة الحسابات الحزبية والشخصية الضيقة، وصراعات داخلية لا تعني المواطن في شيء سوى في ما تخلّفه من تدهور في الخدمات وغياب للمحاسبة.

من أبرز مظاهر الأزمة في العرائش، ضعف الحكامة المحلية، وغياب رؤية استراتيجية متكاملة. التسيير الجماعي يتسم بالارتجال في القرارات، والتردد في تنفيذ المشاريع، مع فجوة واضحة بين المسؤولين والساكنة، تتجلى في غياب آليات التشاور الجاد والإنصات للمطالب الملحّة.

إضافة إلى ذلك، تعرف المجالس المنتخبة صراعات سياسية داخلية متكررة، تُفرغ العمل الجماعي من معناه، وتحوّل الاجتماعات إلى سجالات عبثية بدل أن تكون فضاءات لاتخاذ قرارات تنموية فعالة. قلة الكفاءات في مناصب حساسة، وغياب التكوين المستمر للمنتخبين، زاد من عمق الأزمة.

العرائش تعيش على هامش الاقتصاد الوطني. اقتصادها هش، يعتمد أساسًا على الصيد البحري التقليدي، وبعض الأنشطة السياحية الموسمية، دون أي استراتيجية لتنويع المداخيل أو تشجيع الاستثمار.

لا منطقة صناعية فعلية يمكن أن تستقطب مشاريع مدرة للدخل، ولا مبادرات جادة لتحفيز المقاولات الصغرى، أو دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. في المقابل، تشهد المدينة نزيفًا في الرأسمال البشري، مع هجرة مستمرة للشباب نحو مدن كطنجة والرباط بحثًا عن الشغل والتكوين.

تبدو مظاهر التهميش جلية في مختلف أحياء المدينة، من الطرق المتدهورة، إلى الإنارة العمومية الضعيفة، إلى ضعف تدبير النفايات وانتشار الأوساخ. لا توجد مساحات خضراء كافية أو مرافق ترفيهية للأطفال والشباب، ما يساهم في الإحساس العام بالإقصاء.

القطاع الصحي متواضع، يعاني من خصاص في الأطر والتجهيزات، بينما يعاني التعليم من ضعف البنية المدرسية وغياب مؤسسات جامعية أو مهنية قوية، ما يُجبر التلاميذ على التنقل نحو مدن أخرى، أو الانقطاع عن الدراسة.

رغم هذا الوضع المتردي، فالعرائش تمتلك مؤهلات استراتيجية كبيرة. موقعها بين طنجة والرباط يمكن أن يجعلها نقطة وصل لوجستي مهمة، خصوصًا إذا تم إعادة هيكلة الميناء ليشمل النشاط الترفيهي والتجاري.

المدينة تزخر بتراث تاريخي وحضاري متميز، من أطلال ليكسوس الرومانية إلى القصبة العتيقة، ومن الطابع الأندلسي الأصيل إلى سواحل بحرية بكر، لكن كل هذا لا يجد طريقه إلى تسويق سياحي ذكي ومستدام.

كما أن الطوق الفلاحي المحيط بالمدينة، خاصة في اتجاه الغرب والجنوب، يمثل فرصة مهمة لتطوير صناعات غذائية وتعاونية قادرة على تشغيل المئات.

إن الحاجة اليوم ملحة لميثاق تنموي تشاركي، ينخرط فيه الجميع: مجالس منتخبة، سلطات محلية، مجتمع مدني، ومستثمرون محليون وخارجيون. لا يمكن للعرائش أن تستمر رهينة تسيير عشوائي وسياسات قصيرة النظر. بل يجب:

إعداد مخطط تنموي شامل يضع الأولويات القطاعية، تشجيع الاستثمارات الصغرى والمتوسطة في السياحة والصناعة والفلاحة، فتح أوراش تأهيل البنية التحتية الحضرية، إعادة هيكلة الميناء وفتحه على أنشطة اقتصادية جديدة، تعزيز دور المجتمع المدني وتمكينه من أدوات المراقبة والمبادرة.

العرائش لا ينقصها التاريخ، ولا الجمال، ولا الموارد. ما ينقصها هو القيادة الجريئة، والإرادة الصادقة، والرؤية المستقبلية. قد تكون على الهامش اليوم، لكن من يملك بوصلة الإصلاح، يستطيع أن يجعلها في قلب الخريطة.

شاهد أيضاً

وفد من شركة صينية يبحث فرص الاستثمار الصناعي بالقصر الكبير

شهد مقر جماعة القصر الكبير، يوم الأربعاء 6 غشت 2025، اجتماعًا رسميًا خصص لاستقبال وفد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *