وزارة الصدف والفرص: إعفاءات ارتجالية أم قرارات محسوبة؟
مصطفى البوزيدي: رئيس الهيئة الحركية لأطر التربية والتعليم
في خطوة مفاجئة تثير أكثر من علامة استفهام، أقدمت وزارة التربية الوطنية على إعفاء 16 مديرًا إقليميًا دون الاستناد إلى مساطر تقييمية واضحة أو تشخيصات دقيقة تقيس مدى تحقيق الأهداف المسطرة، والتي يُفترض أن تُقاس بمؤشرات شفافة وقابلة للتقييم. هذا القرار، الذي افتقر إلى آليات موضوعية ومنهجية، يطرح تساؤلات جدية حول خلفياته وأبعاده الحقيقية.
وإذا كانت هذه الخطوة تُبرر بحجج داخلية، فإن التاريخ القريب يذكرنا بواقعة مشابهة سنة 2015، حينما تم إعفاء أكثر من 80 مسؤولًا دفعة واحدة، بناءً على زيارات المفتشية العامة. غير أن ما أفرزته تلك التجربة هو الإعفاء دون تمكين المعنيين من معرفة أسباب القرار أو حتى منحهم فرصة الدفاع عن أنفسهم. بل إن بعض الذين لم تشملهم الزيارات التفتيشية نجوا من الإعفاء، ما يطرح شكوكًا حول طبيعة القرارات، التي يبدو أن هدفها كان تقليص عدد المسؤولين، خاصة في سياق تقليص الأكاديميات من 16 إلى 12.
أما اليوم، وفي ظل الإعفاءات الأخيرة، يتضح غياب المسطرة المؤسساتية التي تستند إلى تقارير موضوعية وزيارات ميدانية كفيلة بتشخيص الخلل الحقيقي. هذا الغياب يفتح الباب أمام تأويلات تتحدث عن ضغوط سياسية تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد الإداري بما يخدم مصالح انتخابية ضيقة، خصوصًا مع وجود بعض الفاعلين التربويين ضمن التركيبة الحكومية الحالية، والذين يدركون حجم التأثير الذي تحمله هذه المناصب في الاستحقاقات المقبلة.
إن هذه القرارات، إن كانت ارتجالية، فهي تفتقد إلى الحكمة والبُعد الاستراتيجي. وإن كانت محسوبة، فهي مؤشر على نهج يُفضل الولاءات على الكفاءات، ويجعل من مناصب المسؤولية مجالاً لإعادة إنتاج النخب الإدارية على مقاس مصالح معينة. وفي الحالتين، يبقى المتضرر الأول هو المدرسة العمومية وأبناء هذا الوطن الذين ينتظرون إصلاحًا حقيقيًا يُعيد الثقة إلى منظومة التعليم بعيدًا عن منطق المحاباة وتدبير الصدف والفرص.