لماذا فشلت جماعة العرائش – الجزء الأول: الموارد البشرية

لكي تنجح أي مؤسسة، سواء كانت شركة خاصة أو مؤسسة عمومية، هناك قواعد أساسية لا غنى عنها: منتج يحتاجه المستهلك، فريق كفء، وموارد مالية مناسبة. في الشركات، على سبيل المثال، يبدأ المدير الناجح بتحديد المنتج أو الخدمة المطلوبة، يجند فريقًا مؤهلاً لتقديم هذا المنتج، ويستثمر الموارد المالية بكفاءة لضمان نمو مستدام وربحية. كل خطوة مبنية على تخطيط، هيكلة، ومتابعة دقيقة، مع قياس مستمر للأداء وتحسين العمليات، وعند مقارنة هذا النموذج مع إدارة جماعة العرائش، يتضح جليًا الخلل الكبير في التسيير وفجوة الأداء.

وباتباع هذه القواعد، فإن منتوج الجماعات المحلية محدد قانونياً، ويتمثل في الخدمات العمومية التي تقدمها لساكنة الجماعة، والتي يحظى الإقبال عليها باعتبارها من أساسيات الحياة اليومية. وبما أن شرط “منتوج مطلوب” متوفر، سنتناول الآن الشرط الثاني، وهو الفريق الكفء.

المتتبع للشأن المحلي بجماعة العرائش سرعان ما يكتشف أن الهيكلة البشرية لهذا المجلس مشوهة، إذ لا تُستغل الموارد البشرية لا من حيث العدد ولا من حيث الكفاءة، بل أصبحت عبئًا على الإدارة أكثر منها فريقًا قادرًا على دفع عجلة التنمية، حيث تكلف ميزانية الجماعة ما يقارب 60 في مئة من مجموع مداخيلها.

فرغم مرور أكثر من ثلثي الولاية، لم يتم اعتماد الهيكلة الإدارية (L’oganigramme) إلا مؤخراً، وبقيت حبراً على ورق، وهي الهيكلة التي تفرض ملء عدة مناصب وبطريقة تساعد على وضع “الأكثر كفاءة” نظريا على الأقل في منصبه، والأكثر خطورة هو عدم الاستفادة من الموظفين بأقصى طاقتهم وفي المكان المناسب. مثال واضح ما حدث مع إطار الموارد البشرية الذي ألحق بدار للأنشطة الثقافية، ما أفقد الجماعة إطار راكم مجموعة من المعارف والمعطيات المرتبطة بهذه الإدارة، التي كان بالإمكان استغلالها لتجويد أداء العاملين بالجماعة.

إلى جانب ذلك، لا تزال الجماعة تحتفظ بعدد كبير من العرضيين، بعضهم أشباح يتقاضون أجوراً دون أي إنتاجية فعلية، ما يشكل عبئًا ماليًا لا مبرر له ويضعف روح العمل داخل الإدارة، في المقابل يتقاعد عدد كبير من الموظفين في عدد من المرافق التابعة للجماعة على غرار المقاطعات، حيث صار من الصعب تعويض ضباط الحالة المدنية في الكثير من المقاطعات، على سبيل المثال.

ما يزيد من ضعف فريق جماعة العرائش هو غياب التكوين المستمر وافتقار الإدارة إلى منصات رقمية موحدة ومرتبطة تسهّل تقديم الخدمات على الموظفين والمستفيدين على حد سواء، كما لم يسبق للجماعة أن قامت باستقصاءات (survey) لقياس رضا المرتفقين لتحسين منتوجها وهو الأمر الذي لم يعد يعتبر من الكماليات وإنما خطوة أساسية في تطوير أي خدمة، خاصة كانت أم عامة.

وبالتطرق إلى مالية الجماعة، فتحسين المداخيل يعتبر من مؤشرات نجاعة التسيير، إلا أن غياب أي جرد شامل لممتلكات جماعة العرائش وافتقارها لقاعدة بيانات يمنع الإدارة من معرفة أصولها الحقيقية وتثمينها. بل عقود الجماعة الجديدة تشير إلا أنها لا تهتم بهذا المؤشر، والمثال الأبرز هو كراء عقار وسط المدينة بثمن بخس، طُبق عليه قانون زيادة 50 في المئة، ليصل إلى أقل من 500 درهم، في وقت يتخطى سعر كرائه الحقيقي 4000 درهم، العقار الذي من المتوقع ان يتم تفويته لنفس المستفيد قبل نهاية الولاية، وهذا يدل على إهدار الموارد الجماعية وفقدان فرص تعزيز المداخيل.

المحصلة أن مجلس جماعة العرائش أثبت ضعفاً كبيراً في التسيير، وفشلاً في استغلال طاقات الموظفين الحقيقية، وضبط العرضيين، واستثمار الممتلكات وتنمية الموارد. بالمقارنة مع نموذج الشركات أو المؤسسات الناجحة، نجد فجوة كبيرة في التخطيط، الهيكلة، والمتابعة، ما يجعل بناء قاعدة صلبة للتنمية في مدينة العرائش أمر شبه مستحيل.

شاهد أيضاً

تأجيل البت في طلب عزل رئيس جماعة تزروت إلى جلسة لاحقة

أجّلت المحكمة الإدارية بطنجة، اليوم الخميس، الجلسة التي كان مقرّرًا أن تنظر خلالها في طلب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *