جمال السباعي
لا حديث بين الآباء والتلاميذ في العرائش هذه الأيام إلا عن الاكتظاظ الخانق الذي بات السمة البارزة في معظم الثانويات، بعد القرار الأخير بتحويل الثانوية الإعدادية ماء العينين إلى إعدادية فقط، وما تلاه من ترحيل أعداد كبيرة من التلاميذ نحو ثانوية مولاي محمد بن عبد الله (التيجيرية).
اليوم، هذه المؤسسة تستقبل ما يقارب 3000 تلميذ، رقم يختزل حجم الأزمة ويكشف حدود الطاقة الاستيعابية للبنية التحتية الحالية. إدارة المؤسسة اضطرت إلى التضحية بقاعات المطالعة والأنشطة وتحويلها إلى حجرات دراسية، في خطوة اضطرارية تعكس عمق المعضلة. المشهد ذاته تكرر في ثانوية بن شقرون ومؤسسات أخرى، حيث أُغلقت أبواب الأنشطة الثقافية أمام التلاميذ ليُفتح الباب فقط أمام “التكديس” في الفصول.
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: كيف يُعقل أن مدينة بحجم العرائش، التي تضاعف عدد سكانها في العقود الأخيرة، لم تُشيَّد بها أي ثانوية جديدة منذ سنوات طويلة؟ أين هو التخطيط الاستباقي الذي يربط بين النمو الديمغرافي والتوسع العمراني من جهة، والحاجة إلى مرافق تعليمية كافية من جهة أخرى؟
إن الاكتظاظ ليس مجرد أرقام جامدة، بل انعكاس مباشر على جودة التعليم. القسم الذي يضم أكثر من 45 أو 50 تلميذاً لا يتيح للأستاذ التتبع الفردي ولا للتلميذ التفاعل السليم. ومع غياب فضاءات المطالعة والأنشطة، نفقد ما تبقى من مقومات المدرسة المواطِنة التي يفترض أن تُكوّن شخصية متوازنة لا مجرد حامل لشهادة.
لقد آن الأوان أن يتحرك المسؤولون، إقليمياً وجهوياً ومركزياً، قبل أن يتحول الوضع إلى كارثة تربوية حقيقية. الحلول الترقيعية لم تعد تقنع أحداً، وما تحتاجه العرائش اليوم هو برمجة عاجلة لبناء ثانويات جديدة، وتوسيع البنيات الحالية بشكل مدروس، حتى يستعيد التلاميذ حقهم الطبيعي في تعلم كريم داخل أقسام إنسانية، لا في حجرات مكتظة أشبه بالمداشر، العرائش مدينة تنمو وتتوسع، لكن ثانوياتها ما تزال سجينة عقود مضت.
العرائش 24