مدونة الأسرة المغربية: بين الحاجة إلى التعديل وأزمة القيم المجتمعية

الأستاذة المحامية سهام الكمراوي

كثر الحديث مؤخراً عن التعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة. هل ستكون هذه التعديلات دعماً للأسرة أم مجرد حلقة جديدة من التعقيد الذي يُضاف إلى أوضاعها؟ إلا أنه من الصعب إصدار حكم قبل أن تتضح معالم هذه التعديلات وتفاصيل الاستثناءات الواردة عليها.

من وجهة نظري كفرد من المجتمع بصفة عامة، وبحكم عملي كمحامية بصفة خاصة، أرى أن أزمة الأسرة المغربية لا تختزل فقط في النصوص القانونية. فمهما كانت صياغتها دقيقة أو ناقصة، الأزمة تتجاوز حدود القانون لتتغلغل في نسيج القيم التي يُفترض أن تكون دعامة العلاقة بين الرجل والمرأة. القوانين، مهما بلغت دقتها، تظل إطاراً بلا روح إذا فقدنا المسؤولية والأخلاق التي تحكم تعاملاتنا.

لقد أصبحنا نرى الأسرة تتهاوى ليس بسبب نصوص غير ملائمة فحسب، بل لأن القيم التي كانت تُعطي للعلاقات الأسرية معناها الأصيل أصبحت تُهمّش. يؤلمني أن أرى نساء يستخدمن القانون كسلاح، ليس لتحقيق العدالة، بل للانتقام، غير مدركات أن الرجل الذي يسعين لتحطيمه هو الأب ذاته الذي يحتاجه أبناؤهن. وفي المقابل، يؤسفني أن أرى رجالاً يتنصلون من دورهم في حماية أسرهم ورعاية أبنائهم، كأن مسؤولياتهم مجرد خيار يمكن التخلي عنه.

ما يغذي هذه الأزمة أيضاً هو النظرة الاختزالية التي باتت تُهيمن على تفكير بعضنا. فالبعض يُصنّف المرأة إما ككائن مادي أو جمال خارجي، متناسين مستواها التفكيري وقدرتها. وفي المقابل، هناك من يرى في الرجل مجرد رمز للقوة المادية أو سلطة مستبدة، متناسين أن إنسانية العلاقة بين الرجل والمرأة تتجاوز هذه الصور النمطية.

دور الرجل والمرأة متكامل، ولا يمكن تصور استقرار الأسرة أو المجتمع بدون مساهمتهما معاً. فالرجل ليس مجرد مُعيل، والمرأة ليست مجرد حاضنة. كلاهما شريكان في بناء حياة تليق بأبنائهما، حياة قائمة على الاحترام والتفاهم، بدون تشويه لمعايير الذكورة والأنوثة. إن حماية حقوق المرأة لا تعني تقويض دور الرجل، تماماً كما أن تمكين الرجل لا ينبغي أن يكون على حساب كرامة المرأة. تحقيق التوازن بين الطرفين ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان بيئة أسرية سليمة تُربي جيلاً يملك وعياً ومسؤولية.

القضية أعمق من تعديل مادة أو إضافة بند أو تغيير قانون. هي أزمة مبادئ وقيم تحتاج إلى إصلاح جذري، وإلى جرأة في مراجعة أنفسنا قبل مراجعة النصوص. الأسرة هي المهد الأول للأخلاق، وإن فقدنا هذا المهد، سنظل ندور في حلقة مفرغة من القوانين التي تحاول عبثاً إصلاح ما لا يُصلح بالقانون وحده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *