كشفت مصادر مهنية مطلعة أن توقيف وتفتيش منزل أحد كبار تجار السمك بميناء العرائش خلف صدمة كبيرة في صفوف المهنيين بالمدينة.. التوقيف الذي تم أول أمس الخميس 4 أبريل 2024، وجاء بعد ضبط شابين بحوزتهما حوالي كيلوغرامين من الكوكايين، أرخى بظلاله على أنشطة المهنيين بالمدينة (سواء أرباب مراكب الصيد الساحلي أو تجار السمك) الذين، تقول المصادر ذاتها، إنهم أصبحوا متخوفين من مزاولة أنشطتهم تحت “طائلة تهديد ذوي سوابق يورطون شخصيات معروفة ورجال أعمال للتستر على الفاعلين الأصليين، مقابل تعويضات مالية أو التعهد بالتكفل بأسرهم أثناء قضاء عقوبتهم السجنية”، لكن الخطير في العملية تضيف المصادر هو محاولة التوريط بدافع الابتزاز، إذ سرعان ما يتراجع المتهم عن اعترافاته بعد أن يقوم بمساومة الضحية والاتفاق على مبلغ نظير ذلك”.
وأضافت المصادر ذاتها أن المهنيين أضحوا يتخوفون من مزاولة أنشطتهم بشكل عادي، بسبب توالي “الوشايات ومحاولات الابتزاز والتوريط في غياب حجج دامغة”، مطالبين بالتحري الدقيق في النازلة، وإخضاع هاتف الشابين المعتقلين للخبرة من أجل الوصول إلى حقيقة أي تواصل بينهم وبين تاجر السمك الموقوف، وكذا استنفاد كل طرق التحري التقنية للتأكد من تصريحات الظنينين.
من جانبه، قال محمد السيكي، المنسق العام لجمعية ليكسوس لأرباب مراكب الصيد البحري بالعرائش والكاتب العام للكونفدرالية المغربية للصيد الساحلي، إن المهنيين قد وصلوا جراء توالي حوادث الاتهام بالباطل من طرف ذوي السوابق إلى “وضعية لا يمكن وصفها سوى بالكارثية، ونعتقد أنه قد حان الوقت لتسليط الأضواء بشكل كاف على هذا الملف، لأننا أصبحنا كمهنيين في ميناء العرائش نعيش في رعب وخوف دائمين، والأمر ليس وليد اليوم بل امتد لسنوات مضت، لأننا أصبحنا تحت رحمة أصحاب سوابق في الاتجار في المخدرات يتعمدون توريط تجار ورجال أعمال في إطار مساطر مرجعية بنية الابتزاز، وإن لم يتراجع المصرح عن اتهاماته فأن التاجر الضحية يكون مصيره السجن بكل ما لذلك من تبعات كارثية على مستقبله المهني والاجتماعي، وعلى اليسر العادي لحياة أفراد أسرته ماديا ومعنويا”.
وأضاف السيكي، في تصريحه لـ”نيشان”، أن “هذا المشكل الكبير الذي أصبح يؤرق بال المهنيين يقتضي من كل المتدخلين في هذا الملف من أمن وقضاء إعمال أقصى درجات التحري، خصوصا في ظل التطور التكنولوجي والوسائل عالية التقنية التي تحوزها المديرية العامة للأمن الوطني التي نثق في مهنيتها وحرفيتها العالية كمؤسسة”، داعيا إلى “اللجوء إلى تلك الوسائل في الخبرات التقنية وإخضاع هواتف المتهمين و”الضحايا” للفحص لدحض تلك الاتهامات أو إثباتها، فنحن لا ننطلق في هذا الملف من منطق “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، لكننا نسعى إلى إيقاف هذا النزيف الذي أضحى يؤثر على معنويات المهنيين وتجارتهم، ومن ثبت في حقه أي اتهام فلتأخذ المساطر آنذاك مجراها، لكن أن يصبح الجميع تحت رحمة اتهامات لا سند لها تصدر عن ذوي سوابق فهذا ما نرفضه ونطالبه بالتدخل العاجل لوقفه، خصوصا أن الدافع الوحيد وراء تلك الاتهامات هو الابتزاز المالي”.
المتحدث ذاته اتهم من أسماهم بـ”الحمالة الذين ينقلون الممنوعات، والذي غالبا ما يكونون من أصحاب السوابق بتعمد اتهام المهنيين من أجل الابتزاز المالي، وأيضا لعجزهم عن ذكر أسماء الفاعلين الحقيقيين بالبضاعة مخافة الانتقام منهم”.
مضيفا ان من يساهم في تعقيد الملف هم “بعض ضباط الشرطة القضائية الذين يعتمدون تصريحات هؤلاء في المساطر المرجعية، دون تعميق البحث في تلك الاتهامات للحصول على وسائل إثبات، خصوصا أنه في مثل هذه القضايا لا بد من اتصالات هاتفية أو لقاءات لترتيب العمليات المفترضة، لذلك فإن تعميق البحث واستعمال الوسائل التقنية المتاحة سيساهم في تبيان حقيقة تلك التصريحات.. وهاته المسؤولية تقع أيضا على رجال القضاء الذين يجب أن يقوموا بمهامهم كما ينبغي، مستحضرين في ذلك توجيهات محمد عبد النباوي عندما كان رئيسا للنيابة العامة، حيث كان أصدر مذكرة توجيهية تحذر النيابة العامة من السقوط في مثل هذا الفخ والزج بالأبرياء في السجون بسبب اتهامات لا أساس لها من الصحة، لأن الهدف هو خلق التوازن بين حماية المجتمع والأشخاص، لذا نطالب بالتطبيق الصارم لتلك المذكرة”.
السيكي قال إن ما أصبح يعيشه المهنيون جراء “تصرفات ذوي السوابق” يعد “تدميرا للاقتصاد المحلي، فميناء العرائش أصبح ميناء محوريا تأتيه المراكب من عدة مناطق بحكم مردوديته الجيدة، لكن بسبب هذه المشاكل تم غادرت قرابة 30 في المائة من المراكب الميناء بعد بيعها، إذ للأسف الشديد أصبح الحمالة وذوو السوابق هم من يحددون مصير المهنيين ومستقبل الميناء”.
واستحضر السيكي في هذا الصدد حالتي اثنين من المهنيين اللذين تم اعتقالهما سنة 2015، لتتم تبرئتهما بعد ذلك، متسائلا: “ما هي الخسائر التي تكبدها هذان الاثنان ماديا ومعنويا، وما هي انعكاسات الزج بهما في ذلك الملف ظلما وعدوانا على أسرتيهما واعمالهما، نحن لا نبرئ أحدا لكننا نطالب فقط بتطبيق القانون وإعمال الإجراءات اللازمة في مثل هاته النوازل، بداية من رجل الأمن الذي ينجز المحاضر وانتهاء بالقاضي الذي بنظر في الملف”.
وختم المتحدث ذاته تصريحه بأنه في إطار “المساهمة في محاربة تجارة المخدرات والنأي بميناء العرائش عن كل الأنشطة المشبوهة، أن المهنيين طالبوا سنة 2005 في اجتماع للجنة التقنية للميناء، عندما كانت الموانئ تسير من طرف مديرية التجهيز قبل أن تحل محلها الوكالة الوطنية للموانئ، وعلى لساني شخصيا كممثل للمهنيين (طالبنا) بوضع كاميرات داخل الميناء، لكن ذلك لم يتم سوى بعد نازلة 2015، كما طالبنا بوضع كاشفات ضوئية ((projecteurs بالوادي المتصل بمدخل الميناء، أكثر من ذلك فإن مفوضية الشرطة التي تم إحداثها بالميناء جاءت نتيجة نضالنا ومطالبنا المتكررة منذ 2005 في إطار الاجتماعات الدورية التي كنا نقوم بها مع كافة المتدخبلين في إطار اللجنة التقنية”.
السيكي قال إنه “إذا كانت هذه المشاكل ستستمر دون حلول نطالب بوضع السوار الإلكتروني للمهنيين، رغم أنه ينتهك خصوصياتهم، فنحن نعمل وفق ضوابط معروفة دولية ومراكبنا مراقبة بالأقمار الاصطناعية، ولدينا واقعة أحد المتابعين في ملف للمخدرات الذي ادعى أنه تسلم البضاعة من المهني في شاطئ، أصيلة ولكن باستعمال الوسائل التقنية المتاحة لدينا وقفنا على المركب الذي يدعي تسلم البضاعة منه كان في القنيطرة، ما يثبت واقعة الافتراء والتساهل مع أمثال هؤلاء، خصوصا أن الشخص المذكور محكوم فقط بثلاث سنوات ويتابع الآن في حالة سراح، وهو الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام”.
وكان محمد عبد النباوي إبان ترؤسه للنيابة العامة قد أصدر مذكرة توجيهية في الـ16 من أكتوبر 2018، حث فيها الوكلاء العامين ووكلاء الملك على إيلاء المساطر المرجعية في جرائم مختلفة خصوصا قضايا المخدرات المزيد من العناية والدقة أثناء الإشراف على البحث التمهيدي، وخلال تقديم المشتبه فيهم، وتتبعها ودراستها بكيفية شخصية إن اقتضى الأمر.
وفي هذا الصدد، دعا عبد النباوي إلى الحرص على التطبيق السليم للقانون والقيام بكافة التحريات اللازمة للتثبت من حقيقة ارتكاب الأفعال الجرمية التي تتضمنها هذه المساطر، بما في ذلك إمكانية إخضاع المشتبه فيهم في قضايا المخدرات لأبحاث إضافية في محيطهم الاجتماعي، والاستعانة بأبحاث تكميلية إن اقتضى الأمر للتحقق من المنسوب إليهم، وكذا اللجوء إلى كافة الإجراءات القانونية لتعميق الأبحاث الجنائية، وإجراء المواجهات اللازمة، وترتيب الآثار القانونية عليها.
كما طالب باستنفاد كافة الإجراءات القانونية الضرورية في مرحلة البحث الجنائي، وتعميقه بالشكل الذي يخدم الوصول للحقيقة، وخاصة إجراء المواجهة بين مصرح المسطرة المرجعية والمشتبه فيه، و”إمكانية الأمر بتقديمهما معا أمامكم للوقوف على صحة ادعاءات كل طرف وترتيب الآثار القانونية على ذلك”.
وطالب عبد النباوي بتفادي إعمال الإجراءات الماسة بالحرية إلا في أضيق الحدود وبعد توفير وسائل الإثبات الكافية وإمكانية اللجوء إلى قضاء التحقيق بصفة استثنائية، والتماس تفعيل تدابير المراقبة القضائية كلما اقتضى الأمر ذلك، مع الحرص على تقديم ملتمسات تتناسب وظروف كل نازلة على حدة.
وشدد عبد النباوي على ضرورة مراعاة ما قد يتعرض له الأشخاص من ضغط أو ابتزاز من طرف مصرحي المساطر المرجعية والحرص على فتح أبحاث بهذا الخصوص عند الاقتضاء، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بكل حزم وصرامة من أجل التحقق من مثل هذه الادعاءات.