أخذت ظاهرة “جنوح الأطفال” وتورطهم في جرائم قتل مروعة منعرجا خطيرا جدا بمدن الشمال، خاصة مدينة العرائش، التي سجلت، في السنوات الأخيرة، ارتفاعا ملحوظا في معدلات العنف المفضي إلى جرائم قتل أبطالها ليسوا سوى أطفال قاصرين في عمر الزهور، أغلبهم وجدوا أنفسهم صدفة متابعين بجناية القتل دون أن يكون لهم سبق إصرار أو ترصد، وتورطوا لأسباب ناتجة عن خلافات تافهة لا ترقى إلى حد قتل.
وشهدت عاصمة اللوكوس العرائش، في الأونة الأخيرة، تصاعدا مستمرا ومخيفا لجرائم القاصرين، التي أصبحت تسجل أرقاما تدعو إلى القلق والتأمل، لاسيما أن بعضها يتعلق بالقتل العمد، غالبا ما تكون دوافعه تافهة، كانت آخرها جريمة “سوق الصغير”، التي راح ضحيتها تلميذ لا يتعدى عمره 15 سنه، إثر تلقيه طعنة قاتلة ووجهه له قاصر آخر سنه 13 سنة فقط، ما خلف ردود مستنكرة وغاضبة لحقوقيين وجمعويين مهتمين بالشأن التربوي بالمدينة، الذين عبروا جميعا عن تخوفهم من التصاعد المستمر لظاهرة عنف القاصرين بالمدينة، لما تتركه من مآسي لدى أسر المتهمين كما هو الحال بالنسبة لأقارب الضحايا المقتولين.
وعاشت ساحة سوق الصغير بوسط العرائش، مساء الثلاثاء (30 يناير الماضي)، حدثا مرعبا تزامن مع مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجنوب الإفريقي برسم ثمن نهائي كأس إفريقيا للأمم، إذ مباشرة بعد انتهاء الشوط الأول من المقابلة، دخل الضحية (ريان)، وهو تلميذ بإعدادية الإمام مالك بالمدينة، في نقاش مع أحد معرفه (13 سنة) من حومة “جنان بضاوة”، تطور إلى عراك وتبادل اللكمات، قبل أن يستل الأخير سكينا كان بحوزته وسدد لغريمة طعنة جهة القلب، إذ رغم نقله إلى المستشفى الإقليمي لالة مريم بالمدينة، ومده بكل الإسعافات الضرورية، إلا أنه فارق الحياة متأثرا بمضاعفات نزيف دموي داخلي حاد.
ردود فعل غاضبة ومتباينة
خلف حادث مقتل الطفل (الريان)، ردود فعل غاضبة ومستنكرة من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أطلقوا حملة على “فايسبوك” نددوا من خلالها بالسلطات الأمنية بالمدينة، معتبرين أن تساهلها مع الشباب والمراهقين من حملة السلاح ساهم في تنامي جرائم القتل بالمدينة، مؤكدين أن الظاهرة حمل السلاح أصبحت بادية للعيان سواء بالمدارس أو المقاهي وقاعات الألعاب، وهي من الأسباب الرئيسة في جل جرائم القتل التي تقع بالمدينة، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والنفسية المرتبطة بمثل هذه الجرائم الخطيرة.
كما عرفت التعليقات اختلافا في الرأي بين من يحمل المسؤولية لمصالح الشرطة باعتبارها المعنية بأمن المواطنين، ومن يلوم الأسرة والسياسات التربوية المعمول بها في بلادنا، التي تساهم في نزوع مجتمعي نحو العنف المفرط، مبرزين أن أسباب الرئيسة وراء الجرائم المرتكبة من قبل أطفال قاصرين، هي الفراغ والتعاطي للمخدرات، فيما اكتفى آخرون بالترحم على الفقيد ومواساة عائلتي طرفي الجريمة، اللتان تمران من مرحلة صعبة، الأولى ودعت ابنها الذي وري جثمانه الثرى، والثانية تنتظرها معاناة محاكمة ابنها والابتعاد عنه مدة طويلة.
حقوقيون يحذرون
من جهتها، عبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (فرع العرائش)، عن قلقها البالغ إزاء تدهور الوضع الأمني في المدينة، واستنكرت بشدة ارتفاع نسبة الجريمة بين الأطفال القاصرين، محملة كامل المسؤولية للدولة وأجهزتها الأمنية، خاصة فرق مكافحة الجريمة، وطالبت بتكثيف الحملات الأمنية واعتقال مروجي المخدرات والمؤثرات العقلية بكافة أصنافها، باعتبارهم عنصر أساسي في تفشي الجريمة.
وذكرت الجمعية، في بيان استنكاري أصدرته أخيرا، أنها تابعت بحزن شديد الجريمة المروعة التي ذهب ضحيتها الطفل (ريان)، وكذا الجريمة المماثلة التي وقعت قبلها بأسبوع بحي النهضة وبنفس الطريقة عبر استعمال سلاح أبيض، نتيجة التعاطي للمخدرات الصلبة، التي أصبح تمثل، بحسب البيان، خطرا على المجتمع والسلامة البدنية والأمان الشخصي، التي يكفلها الدستور المغربي وجميع المواثيق والقوانين الدولية.
وطالبت الجمعية، بتدعيم فرق مكافحة الجريمة بكل الإمكانيات والوسائل اللازمة من الموارد البشرية الكافية والمؤهلة ووسائل النقل، مع اعتماد المقاربة التربوية والحقوقية في التعامل مع الجرائم عبر التوعية والتحسيس والتنمية الشاملة، وجددت مطالبها للسلطات الأمنية بالتدخل العاجل لمحاربة المخدرات والمتاجرين فيها، وتفعيل مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب بمن فيهم المتورطين من رجال الأمن في هذه القضايا.
اعتراف بالمسؤولية
لم يخف رجل أمن مسؤول بالمدينة، أن ظاهرة عنف القاصرين بمدينة العرائش تعرف تصاعدا مستمرا ومخيفا، وأصبحت تسجل أرقاما تدعو إلى القلق والتأمل، لاسيما أن بعضها يتعلق بالقتل العمد، الذي غالبا ما تكون دوافعه تافهة، مبرزا أن جل القضايا المحالة على المحاكم من قبل فرقة الأحداث، وقعت بسبب نزاعات بسيطة تطورت إلى جرائم قتل من دون نية إحداثه.
وأكد المصدر، أن نسبة مهمة من القاصرين الجانحين أو الخارجين عن القانون، الذين يتم إيقافهم على خلفية جرائم مختلفة، ينحدرون من أسر تنتمي إلى خانة الطبقة الوسطى، ويدرسون في مختلف الأسلاك التعليمية، من الإعدادي إلى الثانوي، مبرزا أن غالبيتهم يمزجون بين النشاط الدراسي والإجرامي، ويمارسون انحرافهم خارج أوقات الدراسة، حيث يلجأ الكثير منهم إلى السرقة والنشل أو اعتراض سبيل المواطنين تحت التهديد لسلب ما بحوزتهم من أجل تلبية حاجياتهم اليومية.
وقال المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن “الناس لا تعي هذه الظاهرة، التي من الممكن أن تقع في أي مجتمع، لأنهم يهتمون بتفاصيلها أكثر من الدوافع والمسببات، إذ يحتدم النقاش دائما في كل جريمة حول بشاعة الجريمة بعينها، وليس النظر إلى القضية بشكل عام وشامل”.
وأوضح المسؤول الأمني، أن ظاهرة جرائم الأحداث بالمغرب، وإن كان البعض يعتبرها أمرا عاديا بالمقارنة مع باقي الدول، إلا أنها في الحقيقة تبقى ظاهرة جديرة بالمتابعة والتتبع، بعد أن أضحت، في السنوات الأخيرة، تتطور بشكل مخيف نتيجة تسارع التطور العمراني غير المنظم وتباين المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين السكان، وذلك في غياب أية مقاربة تربوية لمواجهة تبعات هذه التغيرات وتحصين الصغار أمام أعراضها الخطيرة نفسيا واجتماعيا.
المختار الرمشي (الصباح)