فاجعة آسفي: حين تكشف الأمطار هشاشة التدبير لا غضب السماء

لم تحتج مدينة آسفي سوى إلى ساعة واحدة من التساقطات المطرية لتتحول بعض شوارعها إلى مجارٍ مائية جارفة، حاملةً معها مشاهد فزع وخسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. فاجعة أعادت إلى الواجهة سؤالًا مؤلمًا يتكرر مع كل موسم مطري: هل ما نعيشه كوارث طبيعية أم نتائج مباشرة لاختلالات بشرية متراكمة؟

لا يمكن اختزال ما وقع في آسفي في كونه ظاهرة مناخية استثنائية، فالأمطار، مهما بلغت حدتها، لا تقتل لوحدها، وإنما يفعل ذلك غياب التخطيط، وسوء تدبير البنية التحتية، والتراخي في مراقبة الأشغال، والسماح بالبناء في مناطق هشة ومعرضة للخطر. حين تتحول الطرق إلى مصائد، والمنازل إلى قبور، فإن الخلل يكون أعمق من نشرة جوية.

إن منطق ربط كل فاجعة بالمناخ فقط يُعفي المسؤول الحقيقي من المحاسبة، ويُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب. فالمدن الحديثة تُقاس بقدرتها على امتصاص الصدمات، لا بعدد الضحايا عقب كل تساقط مطري. وهنا تبرز مسؤولية الجماعات الترابية، ومكاتب الدراسات، والمقاولات المنفذة، والقطاعات الوزارية الوصية، كلٌّ حسب اختصاصه، في ضمان حدٍّ أدنى من السلامة الحضرية.

الواجب اليوم يفرض فتح تحقيق قضائي وتقني مستقل وشفاف، يحدد بدقة مكامن الخلل، ويكشف حقيقة الصفقات العمومية المرتبطة بشبكات التطهير والتهيئة الحضرية، ويرتب المسؤوليات دون انتقائية أو حسابات ضيقة. كما يفرض تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة، إدارية كانت أو جنائية، لأن العدالة المؤجلة هي ظلم مضاعف للضحايا.

وفي مقابل ذلك، فإن جبر الضرر للأسر المتضررة ليس منّة، بل حق دستوري وأخلاقي، يستوجب إجراءات استعجالية تضمن الكرامة، وتخفف من آثار الصدمة، وتعيد الاعتبار للإنسان قبل الحجر.

غير أن الأهم من كل ذلك هو الانتقال من منطق ردّ الفعل إلى منطق الوقاية. فالتغيرات المناخية لم تعد احتمالًا مستقبليًا، بل واقعًا يوميًا، ما يفرض إعادة النظر في تصاميم التهيئة، وتحديث شبكات تصريف مياه الأمطار، ومنع البناء العشوائي، واعتماد نظم إنذار مبكر، وربط التخطيط الحضري بمعطيات علمية دقيقة.

فاجعة آسفي ليست حدثًا معزولًا، بل إنذارًا جديدًا يضاف إلى سلسلة إنذارات سابقة لم تُؤخذ بالجدية المطلوبة. والرهان اليوم ليس فقط في محاسبة من أخطأ، بل في ضمان ألا تتكرر المأساة نفسها في مدينة أخرى وبالضحايا أنفسهم.

إن احترام حياة المواطنين يبدأ من احترام قواعد التخطيط، ومن اعتبار السلامة العامة أولوية لا بندًا ثانويًا في الميزانيات. أما غير ذلك، فسيظل المطر شماعة جاهزة، وستظل الفواجع تتكرر، بأسماء مدن مختلفة، وأوجاع متشابهة.

شاهد أيضاً

العرائش على موعد مع أمطار قوية ضمن نشرة إنذارية برتقالية تشمل عدداً من مناطق المملكة

أفادت المديرية العامة للأرصاد الجوية بأن إقليم العرائش يُرتقب أن يشهد زخات مطرية قوية، في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *