القرار الأممي فرصة لا تهديد: طريق الجزائر والبوليزاريو نحو مكسب مشترك

بعد ما يقارب نصف قرن من النزاع حول الصحراء، صوت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي الذي يعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلاً واقعياً قابلاً للتطبيق. قرارٌ يشكل تحولًا واضحًا في الموقف الدولي، ويضع الأطراف المعنية، وعلى رأسها الجزائر وجبهة البوليزاريو، أمام لحظة مراجعة عميقة لتكلفة استمرار الصراع وجدوى الانخراط في تسوية دائمة.

استمرار النزاع لم يكن بلا ثمن. اقتصاديًا، أنفقت الجزائر منذ سبعينات القرن الماضي موارد ضخمة في تمويل جبهة البوليزاريو ودعمها دبلوماسيًا وعسكريًا، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استثمارات داخلية كبرى في التعليم، البنية التحتية، وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الريع الطاقي.

سياسيًا، أصبح الملف أحد أبرز عوامل التوتر مع المغرب، ما أدى إلى إغلاق الحدود وتعطيل مشروع الاتحاد المغاربي، الذي لو تحقق لأصبح من أكبر التكتلات الاقتصادية في إفريقيا والعالم العربي. دبلوماسيًا، عزز النزاع عزلة الجزائر في المحافل الدولية، بعدما أصبح الرأي العام العالمي أكثر اقتناعًا بواقعية المقاربة المغربية.

ومع ذلك، فإن القرار الأممي الجديد لا يمثل خسارة للجزائر، بل فرصة لإعادة تموضعها كفاعل إقليمي مسؤول، قادر على دعم حلّ سياسي يحفظ الاستقرار في جواره ويعزز التعاون الأمني والاقتصادي في المنطقة. فالتقارب مع المغرب من شأنه أن يفتح آفاقًا اقتصادية هائلة، تشمل خطوط النقل البري، وتبادل الطاقة، وتكامل الأسواق المغاربية.

جبهة البوليزاريو تواجه اليوم تحديًا وجوديًا حقيقيًا.
منظمة نشأت في سياق الحرب الباردة، وظلت متمسكة بمطلب “الاستفتاء على الاستقلال”، رغم أن الواقع الميداني والسياسي تجاوز هذا الخيار منذ سنوات.

الجمود السياسي أدى إلى فقدان الجبهة لدعم دولي واسع، وحتى داخل المخيمات ظهرت أصوات تطالب بحلول عملية تضمن الكرامة والعيش الكريم بدل الشعارات.و الاعتماد الكامل على المساعدات الإنسانية جعل سكان المخيمات رهائن للوضع القائم، دون أفق واضح.

الجيل الجديد من الصحراويين يعيش اليوم بين قناعة بضرورة التغيير، وإحباط من استمرار خطاب لا ينعكس على حياتهم اليومية. لكن القرار الأخير يفتح أمام الجبهة فرصة للتحول من حركة نزاع إلى طرف في تسوية سياسية.

المشاركة في مفاوضات جدية حول الحكم الذاتي قد تمكنها من لعب دور تمثيلي حقيقي في تسيير الأقاليم الجنوبية، وتضمن لسكانها اندماجًا سياسيًا واقتصاديًا في فضاء مستقر ومزدهر.

الخاسر الأكبر من استمرار الصراع سكان المخيمات في تندوف، الذين يعيشون منذ عقود في ظروف صعبة.
أي حل سياسي قائم على الحكم الذاتي يمكن أن يفتح أمامهم الباب للعودة إلى الحياة المدنية الطبيعية، والتمتع بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية داخل وطنهم الأم.

إن إدماج هؤلاء السكان في مشاريع تنموية في الأقاليم الجنوبية سيحوّلهم من ضحايا نزاع إلى فاعلين في بناء مستقبل المنطقة.

إن تبني الجزائر والبوليزاريو للحل السياسي القائم على الحكم الذاتي لن يكون فقط في مصلحة المغرب، بل في مصلحة المنطقة المغاربية بأكملها، حيث سيسمح بإعادة بناء الثقة وفتح الحدود المغلقة منذ أكثر من ثلاثة عقود. كما سيمهّد لإنعاش الاتحاد المغاربي، الذي يمثل سوقًا مشتركة محتملة تفوق 100 مليون نسمة. وسيجعل شمال إفريقيا أكثر استقرارًا في مواجهة التحديات الأمنية القادمة من منطقة الساحل.

كما سيسمح للدول المغاربية بتوجيه مواردها نحو التنمية بدل سباقات التسلح والدبلوماسية الدفاعية.

القرار الأخير لا يفرض إملاءات على أحد، بل يقرّ بحقيقة أصبحت واضحة: أن الاستقرار في الصحراء هو مدخل الاستقرار في المغرب العربي كله.
الجزائر والبوليزاريو أمام فرصة نادرة لتصحيح المسار، والانتقال من منطق التنافس إلى منطق التكامل، ومن خطاب التاريخ إلى منطق المستقبل.

لقد أثبتت التجارب أن المنتصر في الحروب لا يعيش بالضرورة في سلام، أما المنتصر في المصالح المشتركة، فهو من يربح على المدى البعيد.
ولهذا، فإن تبني هذا المسار الواقعي لا يعني تنازلًا، بل ذكاءً استراتيجيًا يعيد للمنطقة عقلها الجماعي ووحدتها المفقودة.

شاهد أيضاً

تأجيل البت في طلب عزل رئيس جماعة تزروت إلى جلسة لاحقة

أجّلت المحكمة الإدارية بطنجة، اليوم الخميس، الجلسة التي كان مقرّرًا أن تنظر خلالها في طلب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *