افتتاحية الأسبوع بقلم جمال السباعي
هي ليست مجرد زوبعة إعلامية أثارتها اللوحات التشويرية الحديثة التي نصبتها جماعة العرائش في شوارع المدينة، بل هي قضية أعمق، كشفت جوهر الخلل في تسيير الجماعة. ورغم أن رئيس الجماعة اعتبرها مجرد سهو أو خطأ غير مقصود، فإن الطريقة التي أُتخذ بها هذا القرار، والذي مس عصبًا حساسًا في جسد الوطن، قد تترتب عليه عواقب وخيمة على الجميع. الطريقة التي تسببت في فشل النصف الأول من تجربة التسيير الحالي، والتي أشار إليها عصيد في تساؤل عميق، لم نعره الكثير من الإهتمام.
في تعليقه على هذه الواقعة، طرح الحقوقي والمفكر المغربي أحمد عصيد سؤالًا قد يبدو عابرًا، لكنه في الحقيقة يحمل دلالات عميقة. فالمطلعون على كواليس التسيير داخل جماعة العرائش يدركون أن هذا السؤال لم يطرحه عصيد إلا بعد تفكير وتأمل في احتمالات وقوع مثل هذا الخطأ. فبعد أن وصف مسؤولي الجماعة بأنهم أشبه بأهل الكهف الذين ناموا لعقود طويلة، في إشارة إلى غياب بصمة العرائش عن الساحة الوطنية، وجّه تساؤلًا جوهريًا يدين أداء المجلس الجماعي قائلًا:
“ما قامت به جماعة العرائش يجعلني أطرح سؤالًا: كم عدد الأدمغة الموجودة داخل مجلس العرائش، بأغلبيته ومعارضته؟ ألا يوجد في كل هذه الأدمغة دماغ واحد أدرك أن ما يقومون به مخالف للدستور؟”
هذا السؤال محوري وأساسي، وهو يعكس جوهر الفشل الذي يطبع التجربة الجماعية الحالية بمدينة العرائش. ولا شك أن الأغلبية الساحقة من المستشارين داخل المجلس، سواء في صفوف الأغلبية أو المعارضة، سيكون جوابهم موحدًا: “لا ندري”. نعم، إنهم لا يدرون، لأن التسيير داخل الجماعة يتم بمنطق “مول الحانوت”، حيث يتخذ القرار شخص واحد بالتشاور مع مقربيه، يقرر ما يُشترى داخل محله التجاري وما يباع وبأي ثمن، بينما تُقصى المؤسسة الجماعية بكل مكوناتها، موظفون، مستشارون، ونواب رئيس، الذين لا يعلمون شيئًا عما يدور داخل أقسامهم، سوى المؤامرات التي تُحاك ضدهم، في حين ينتظر آخرون من داخل المجلس، أن تنشر وسائل الإعلام القرارات ليطلعوا عليها.
المعضلة الموجودة في سؤال عصيد والتي تحدثنا عنها في العديد من المناسبات الإعلامية تمس جوهر الخلل في تدبير الشأن المحلي، وهو غياب الفكر المؤسساتي داخل التجربة الجماعية الحالية، الذي يضمن حكامة رشيدة وتنمية مستدامة. فالتسيير الجماعي ينبغي أن يقوم على مبادئ أساسية، منها:
- إشراك جميع المستشارين، سواء من الأغلبية أو المعارضة، إلى جانب المواطنين والمجتمع المدني في عملية صنع القرار.
- استثمار الموارد البشرية بشكل فعال، والاعتماد على مبدأ التشاركية والانفتاح، ليس فقط داخل المجلس الجماعي، بل أيضًا مع الفاعلين المحليين، مثل الجمعيات، القطاع الخاص، والإدارات الأخرى، وهو ما يُعرف في التدبير المحلي بالديمقراطية التشاركية.
إن غياب التسيير المؤسساتي داخل جماعة العرائش أسقطنا في المحظور وأخرجنا من الكهف من أسوأ أبوابه وأدى إلى هدر نصف الولاية دون تحقيق أي تقدم يُذكر، وسيؤدي إلى ضياع ما تبقى منها إذا استمر الأمر على هذا النحو. ما تحتاجه المدينة اليوم هو مجلس مسيّر يلتزم بالممارسات الجيدة في التدبير، ويعتمد على التخطيط، الشفافية، التشاركية، والابتكار، لضمان تنمية متوازنة تلبي احتياجات المواطنين وترتقي بمستوى العيش داخل الجماعة ويخرجنا من الكهف بصفات أصحابه “فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى”.