افتتاحية الأسبوع: قانون الإضراب الجديد بين التشريع المغربي والنماذج الغربية (فرنسا، ألمانيا وكندا)

افتتاحية الأسبوع بقلم جمال السباعي

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط النقابية والسياسية والمجتمع المغربي ككل، صادق البرلمان على قانون الإضراب لسنة 2025، وسط انقسام واضح بين الأحزاب السياسية والنقابات. فمن جهة، أيدت الأغلبية الحكومية القانون بشكل واضح، في حين واجه معارضة قوية من بعض النقابات والأحزاب. فهل نحن أمام قانون يهدف إلى تنظيم ممارسة حق الإضراب أم أنه يندرج ضمن سياسات التضييق على الحركات العمالية؟

يظهر جدول التصويت أن حزب الأحرار (17 صوتًا)، حزب الأصالة والمعاصرة (7 أصوات)، حزب الاستقلال (4 أصوات)، والحركة الشعبية (2 صوتان) قد دعموا القانون، وهي الأحزاب التي تشكل التحالف الحكومي باستثناء الحركة الشعبية التي تصنف ضمن المعارضة. في المقابل، نجد أن النقابات الأكثر تمثيلية كالاتحاد المغربي للشغل (UMT) والكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT) والاتحاد الوطني للشغل (UNTM) صوتت ضده، وهو مؤشر واضح على رفضه من قبل جزء كبير من الحركات النقابية.

تستند الحكومة في تبريرها لتمرير هذا القانون إلى ضرورة تنظيم حق الإضراب ومنع الإضرابات العشوائية التي تعطل سير المرافق العمومية وتؤثر على الاقتصاد الوطني. ووفقًا لمشروع القانون، فإن الإضراب سيخضع لضوابط صارمة مثل الإشعار المسبق لمدة تصل إلى 45 يوما، وضمان الحد الأدنى من الخدمة في القطاعات الحيوية، وتحميل النقابات مسؤولية الأضرار الناجمة عن الإضرابات غير القانونية.

لكن النقابات ترى أن هذه الضوابط قد تحوّل الحق في الإضراب إلى استثناء بدلاً من كونه حقًا أساسيًا. فإلزام العمال بإشعار طويل الأمد واتخاذ تدابير صارمة قد يُضعف تأثير الإضراب كأداة ضغط، مما يضعف قدرة النقابات على التفاوض والدفاع عن حقوق العمال.

على الرغم من أن المعارضة السياسية لم تتمكن من عرقلة القانون، إلا أن موقفها، مدعومًا بالنقابات، يؤكد أن هذا التشريع لا يخدم مصلحة العمال. وحتى نقرب الرؤية لهذا المشهد الضبابي سنتطرق إلى أهم النقاط الخلافية في القانون الجديد.

يُعرف المشروع الإضراب بأنه “انقطاع جماعي عن العمل للدفاع عن مطالب مهنية”، ويؤكد على كونه “حقًا دستورياً، لكنه يخضع لشروط وضوابط صارمة ” لضمان استمرارية المرافق الحيوية وحماية الاقتصاد الوطني. 

الإجراءات القانونية لممارسة الإضراب بمشروع القانون المغربي رقم 97.15

–  الإشعار المسبق : يتوجب على الجهة الداعية للإضراب إشعار المشغل والسلطات المختصة قبل مدة تصل إلى 45 يوما   

–  التفاوض الإلزامي : قبل الشروع في الإضراب، يجب استنفاد جميع وسائل الحوار والتفاوض مع المشغل. 

–  اتخاذ القرار : لا يمكن الدعوة إلى الإضراب إلا بعد تصويت الأغلبية داخل الهيئات النقابية أو لجان العمال. التي لها الحق في الدعوة إلى الإضراب كالنقابات الأكثر تمثيلية.

ولتقريب الرؤية سنقوم بمقارنة نفس القانون مع قوانين الإضراب بالديمقراطيات الغربية (فرنسا، ألمانية، كندا) كمثال.

محور “شروط وإجراءات الإضراب”

استنتاج مقارنة محور “شروط وإجراءات الإضراب”

عند مقارنة محور “شروط وإجراءات الإضراب” بمشروع القانون المغربي رقم 97.15 بالقوانين المعمول بها في الديمقراطيات الغربية (فرنسا، ألمانيا، وكندا)، يتضح أن الإجراءات التي يفرضها المشروع أكثر تقييدًا، حيث يمنح المشغلين فرصة أكبر للالتفاف على الإضراب أو التخفيف من تأثيره قبل وقوعه كما يُعقد تنفيذ الإضراب ويجعل العمال في وضع تفاوضي أضعف أمام أرباب العمل مما قد يحد من فعالية الإضراب كأداة ضغط نقابية،  في المقابل، في ألمانيا، يجب أن يكون الإضراب جزءًا من المفاوضات الجماعية.

محور الإضراب في القطاعات الحيوية

– يُلزم المشروع بعض القطاعات “بتوفير حد أدنى من الخدمة”، خصوصًا في **الصحة، النقل، الماء والكهرباء، والاتصالات. 

 – يتيح للحكومة إصدار “مراسيم تحدد القطاعات التي يُمنع فيها الإضراب كليًا أو جزئيًا”، ما قد يحدّ من فعالية هذه الأداة النضالية. 

مقارنة مع (فرنسا، ألمانية، كندا)

استنتاج مقارنة محور “الإضراب في القطاعات الحيوية

مشروع القانون المغربي أكثر تقييدًا من القوانين الغربية فيما يتعلق بالإضراب في القطاعات الحيوية، حيث يمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة للحد من الإضراب أو منعه، ويشدد على الالتزام بالخدمات الدنيا، وهو ما قد يفرّغ الإضراب في هذه القطاعات من تأثيره كأداة ضغط نقابية فعالة.

محور العقوبات والمسؤولية القانونية

– يُحمِّل المشروع النقابات والعمال المسؤولية المدنية عن الأضرار الناجمة عن الإضرابات غير القانونية.

– يمكن فرض عقوبات تأديبية تصل إلى الفصل من العمل على الأفراد المشاركين في إضرابات غير قانونية. 

– يُحظر عرقلة حرية العمل، مما يعني إمكانية ملاحقة المضربين قضائيًا إذا منعوا غيرهم من العمل. 

استنتاج محور العقوبات والمسؤولية القانونية

مشروع القانون المغربي أكثر تشددًا في معاقبة الإضراب مقارنة بالقوانين الغربية، حيث يفرض عقوبات تصل إلى الفصل ويحمل النقابات مسؤولية مدنية كبيرة، في حين أن القوانين في فرنسا، ألمانيا، وكندا توفر حماية أكبر للعمال والنقابات، حتى في حالة الإضرابات غير القانونية.

هذه الصرامة قد تجعل العمال أكثر ترددًا في اللجوء إلى الإضراب، مما قد يضعف العمل النقابي بشكل عام.

محور مدى تقييد القانون للحق في الإضراب

عند مقارنة قانون الإضراب المغربي الجديد مع القوانين المعمول بها في الديمقراطيات الغربية مثل فرنسا، ألمانيا، وكندا، نجد أن المشروع المغربي أكثر تقييدًا من نظائره.

الخلاصة

اعتماد مشروع القانون المغربي بصيغته الحالية، يجعله أحد أكثر القوانين تقييدًا للإضراب مقارنة بالديمقراطيات الغربية، خاصة بسبب الإشعار الطويل، العقوبات الصارمة، وإمكانية منع الإضراب في بعض القطاعات بقرار إداري.

في المقابل، الدول الغربية تميل إلى تحقيق توازن أكبر بين الحق في الإضراب وضمان استمرارية الخدمات العامة.

شاهد أيضاً

فريق التقدم والاشتراكية يطالب بتوضيحات حول إعفاء عدد من المديرين الإقليميين لوزارة التربية الوطنية

فريق التقدم والاشتراكية يطالب بتوضيحات حول إعفاء عدد من المديرين الإقليميين لوزارة التربية الوطنية وجه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *