ذ. ععزيز العليكي
افتراض البراءة أو قرينة البراءة من المبادئ الأساسية للحق في المحاكمة العادلة وهي تعني أن أي شخص يُتهم بارتكاب فعل جرمي بريئ إلى أن تُثبت إدانته بعد محاكمة عادلة ويجب أن يظل افتراض البراءة قائما ما لم يثنت العكس، فلكل فرد في المجتمع الحق في أن يعتبر بريئا و أن يُعامل باعتباره بريئا و ينطبق هذا الحق على المشتبه فيه قبل اتهامه رسميا بارتكاب أي جريمة تمهيدا لتقديمه للمحاكمة و ان يتجنب القاضي أي تحيز مسبق ضد المتهم مع اعتبار أن عبء الإثبات يقع على الادعاء و عند توفر أسباب معقولة للشك فيجب ألا يدان المتهم و في في هذا السياق نصت المادة 66(3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على وجوب أن تقتنع المحكمة بأن المتهم مذنب بصورة لا تدع أي مجال معقول للشك قبل أن تدينه و هو حق من الحقوق المكفولة بموجب المواثيق الدولية و موازي للحق في عدم الإكراه على الاعتراف بالذنب المعروف بالحق في التزام الصمت الذي يمنع على المحكمة استخراج اي استنتاجات إلا بعد أن يقدم الادعاء ادلة إثبات كافية و فقا لما سارت عليه المحكمة الأوروبية..
وقد نص الدستور المغربي في الفقرة الرابعة من الفصل 23 على ضمان قرينة البراءة و على اعتبار كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تُثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به (الفصل 119) إقرارا بحق من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و الاتفاقيات الأوروبية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان و حرياته الأساسية انسجاما مع ديباجة الدستور الذي تتعهد الدولة بمقتضاه بالتزامها بما تقتضيه المواثيق الدولية و تتشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
ولتنزيل هذا المبدأ نص قانون المسطرة الجنائية في المادة الأولى منه بتبني قرينة البراءة و اتخاذ كل التدابير لتعزيزها و تقويتها و صيانتها من كل ما يطالعها من خروقات من بينها اعتبار الاعتقال الإحتياطي و المراقبة القضائية تدبيرين استثنائيين و تحسين ظروف الحراسة النظرية والاعتقال الإحتياطي و إحاطتهما بإجراءات مراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية و ترسيخ حق المتهم بإشعاره بالتهمة و حقه في الاتصال الغير المكتمل بالمحام خلال فترة تمديد الحراسة النظرية و حق المحامي في تقديم ملاحظات كتابية خلال تلك الفترة بالإضافة إلى الحق في أن تشعر عائلته بوضعه تحت الحراسة النظرية كما حرص هذا القانون على إبراز دور دور القاضي في مراقبة وسائل الإثبات و تقدير قيمتها و عدم الاعتداد بكل اعتراف ينتزع بالعنف أو الإكراه (المادة 293) إعمالا لنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى مجموعة من الضمانات المشار إليها بديباجة قانون المسطرة الجنائية غير أن الملاحظ أن تجسيد هذه الحقوق و المبادئ على أرض الواقع تعتريه مجموعة من الشوائب من بينها عدم النص صراحة على الجزاءات المترتبة عن خرق بعض المواد و الاكتفاء بعبارة “يتعين” أو يجب (المادة 66 مثلا) و عدم فرض عقوبات زجرية أو تأديبية على كل متورط في انتهاك هذه الحقوق باعتبارها حقوق دستورية تسمو على باقي القوانين الأخرى والتي ينبغي أن تتقاطع مع الاتجاه نحو “مطالبة” المتهم بإقامة الدليل على براءته (حسب ملاحظة المتتبعين) فتحقيق الصالح العام لا ينبغي أن لا يكون على حساب حريات المواطنين الذين حين تكون براءتهم غير مؤمنة تكون حريتهم كذلك كما جاء في كتاب (روح القوانين) لمنتسكيو.