كرة المدينة ما بين “الكامپو البلدي” و “لكامپو د لبرامل”
افتتاحية الأسبوع بقلم جمال السباعي
قد يوحي لك عنوان المقال أننا بصدد تحليل المشهد الرياضي بالمدينة، ذلك المشهد الذي يعيش مفارقات غريبة بين الإمكانيات والنتائج. فالقطاع الرياضي يشهد نهضة كبيرة في الأداء رغم ضعف ما يمنح من إمكانيات. لكننا في هذا المقال سنتطرق إلى رياضة من نوع آخر، تلعب مبارياتها في ملعبين رئيسيين: ذهابًا في الملعب البلدي تحت تشجيعات الجمهور المتحمس حينا والغاضب أحيانًا، وإيابًا داخل ما يسمى بـ”الكامبو د لبرامل”، حيث تُحسم المباريات في الكواليس بعيدًا عن أعين المتابعين.
تبدأ لقاءات هذه المنافسة، وهي بطولة رسمية تقام كل ست سنوات، بصافرة الإعداد للإستحقاقات المحلية داخل مقرات اللوائح المشاركة. حيث يبدو للوهلة الأولى أن المباراة مباراة محلية داخل هذه المؤسسات، بحكام داخليين يستمدون صلاحياتهم من قوانينهم الأساسية والداخلية. لكن اللاعبين المحترفين، الذين سبق لهم خوض مثل هذه المباريات، يعلمون أن “فيفا كامپو د لبرامل”، على غرار نظيراتها في باقي بقاع المملكة، لها ما يكفي من التأثير على أطوار المباراة. فمسيري هذا “الكامپبو” يشرفون في كثير من الأحيان على تشكيل لوائح الفرق المتنافسة، إما بالاقتراح أو بالموافقة والرفض. هذا التأثير يتأتى عبر شبكة من العلاقات غير الرسمية، ويهدف إلى اختيار مرشحين يتسمون بالولاء أو الذين يحققون مصلحة التوجه العام في المقام الأول.
تخاض هذه المنافسة الديمقراطية و”الديمقراطية نوعان”، على امتداد سنة قبل موعد البطولة غير المجمعة. فبعد معرفة لوائح اللاعبين وعمدائهم في كل فريق، يبدأ “الكامبو د لبرامل” في جمع توجهات الشارع. ليرسل مستكشفين من صغار الموظفين وشيوخهم للتواصل مع المطلعين على الشأن العام والمؤثرين فيه من كل قطاع. يتواصلون مع مول الحانوت، أصحاب الپاركينات، الجمعويين، الأساتذة، الناشطين المدنيين، والصحفيين، وكل من يستطيعون الوصول إليه لمعرفة توجهات المشجع المحلي ورؤيته لنتائج المباراة النهائية، فتتكون لدى “الكامبو د لبرامل” فكرة غالبًا ما تكون قريبة من النتائج النهائية، إذا ما أضيفت إليها الأهداف المسجلة مسبقًا.
بعد معرفة توجه الشارع، تبدأ مرحلة رسم خارطة الطريق لتتويج “رجل الست سنوات”. حيث يعاد توزيع اللاعبين المحترفين، و”الإحتراف نوعان”، على الفرق الموالية المرغوب في تتويجها. ويتم إقصاء اللاعبون المحترفون من الفرق الأخرى أو استبعاد لوائحهم في الساعات الأخيرة من وضع الترشيحات، لأسباب تكون حتمًا قانونية لا لبس فيها.
حين تنطلق المباراة الرسمية، تُمنح الفرق أدوارها، ويتحول “الكامبو د لبرامل” إلى جهة مراقبة، لكنها تظل ذات تأثير في توجيه مجريات اللقاء. الجماهير، التي ترفع صوتها وتشارك في هذا “الدوري الديمقراطي والديمقراطية نوعان”، تصرخ وتحتج، لكنها لا ترى كل ما يحدث وراء الكواليس.
تمامًا كما في كرة القدم، لا يقتصر دور الحكام على تطبيق القواعد فحسب، بل يمتد أحيانًا إلى اتخاذ قرارات تكتيكية غير مرئية تُغير مصير المباراة.
بعد انتهاء مباريات المجموعات، تنتقل البطولة إلى المباراة النهائية مباشرة. تحتسب نقاطها بالتحالفات والتكتلات التي تُشبه إلى حد كبير سوق الانتقالات الشتوية في كرة القدم. ففي “الكامبو د لبرامل”، يتم تحديد المراكز التي يجب أن يشغلها “اللاعبون”، سواء في الفريق المتوج أو الفريق الوصيف. يتم توزيع الصلاحيات بناءً على معايير غير مكتوبة، غالبًا عبر قنوات غير مباشرة، لضمان أن يبقى “رجل الست سنوات” وفريقه في مواقع القوة.
لتبدأ المباراة الحقيقية، تشكيل التحالفات. وهنا يتدخل “الكامبو د لبرامل” كمدير رياضي يشرف على المفاوضات بين الفرق الفائزة لضمان ألا يحدث اختراق في التوازن الاستراتيجي. القرارات التي تُعلن في الملعب البلدي هي في الحقيقة نتائج جلسات مطولة في “الكامبو د لبرامل”، حيث تُحسم الأمور بركلات جزاء مفاجئة أو قرارات إدارية صارمة تُصبغ بطابع رسمي.
هنا، يبرز دور مدربي الظل من طاقم “الكامبو د لبرامل”، الذين يملكون القدرة على “إعادة تشكيل الخطة” وفقًا لتوازنات جديدة، تمامًا كما يغير المدربون تكتيكاتهم في منتصف المباراة. يتم استبعاد اللاعبين غير الملتزمين، و”الالتزام نوعان”، ليحل محلهم أولئك الذين يمتازون بالطاعة والانسجام مع استراتيجية الفريق المهيمن.
في نهاية البطولة، يُتوج الفريق الفائز الذي اختاره “الكامبو” بعناية، ليقود السنوات الست المقبلة. أما الجماهير، فتظل بين الأمل في تغيير حقيقي وبين الإحباط من مباراة شعرت أنها انتهت قبل أن تبدأ. ويبقى المشهد، كأي بطولة رياضية، يحمل تناقضات بين الشفافية الظاهرية والكواليس التي تُحسم فيها النتائج.